السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
( تأملات فى القرآن الكريم ) .
الحلقة السابعة
- من صور يوم القيامة 2 -
الحمد لله الذى ارتضى الحمد لنفسه .. وجعله فاتحة كتابه ووحيه .. ومنتهى شكره وكفاء نعمته ... أحمده وهو وحده المستحق للحمد والثناء .. والصلاة والسلام الأتمان الأكرمان على سيدنا محمد خاتم الرسل والأنبياء ... ثم أما بعد ،، ..
يقول الله سبحانه وتعالى : ( يأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم .. يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) . سورة الحج ( 1-2 )
هذا تصوير دقيق للحالة التى سيكون عليها الناس .. كل الناس .. يوم البعث وقبل الحساب .. وهم يساقون من الأرض التى عاشوا عليها وبعثوا منها إلى أرض الميعاد .. عقولهم من هول الموقف ستكون ضائعة .. فالأم التى هى فى الحياة الدنيا أحرصَ الناس على ابنها ، تتابعه أينما كان .. وتلحظه أينما وجد ، وبخاصة إذا كان رضيعا صغيرا .. هذه الأم ستذهل عن ابنها .. يكون أمامها فلا تراه .. ويناديها فلا تجيبه .. ويقترب منها فلا تحس به .. ذهــــول تــــــام من هول الموقف.
فالناس فى يوم الحساب .. كل واحد منهم مشغول بنفسه .. يفكر فى ذاته .. ولا يدور فى فكره أى شئ آخر .. إنه يريد أن ينجو من هذا الهول العظيم .. يريد أن يطمئن إلى مصيره . وقد أصبحت القيامة حقيقة واقعة أمام عينه .. يتابع أحداثها بنفسه بعد أن كانت غيبا عنه ... اللحظة التى يفيق فيها الإنسان . ويعرف أن يوم القيامة قد جاء .. وأن ساعة الحشر قد بدأت ... يذهب عقله عن كل ما كان فيه ... ولا يفكر إلا فى نفسه ..
إنه يوم كما وصفه الله تعالى : ( يجعل الولدان شيبا ) . المزمل ( 17 ) ...
وقول الحق سبحانه وتعالى : ( وتضع كل ذات حمل حملها ) . :
أى أن المرأة التى تعتز فى الحياة الدنيا بجنينها ..سوف تتخلص منه .. فهى لا يشغلها إلا نفسها ..
وعندما يساق الناس إلى أرض الميعاد فإنهم لا يمشون بخطى ثابتة .. بل من الرعب الذى يجتاح القلوب فإنهم يترنّحون يمينا ويسارا كالسكارى .. حتى إنك إذا نظرت إليهم تعتقد أنهم قد فقدوا اتزانهم من الخمر .. ولكن هول الموقف الذى هم فيه ، وشدة عذاب الله الذى يخشون أن يصيبهم .. يجعلهم كالسكارى ..
ويزيد الصورة وضوحا قول الحق سبحانه وتعالى : ( يوم يفر المرء من أخيه .. وأمه وأبيه .. وصاحبته وبَنيه .. لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) سورة عبس ( 34-35-36-37 )...
إذا تأملت قول الحق سبحانه وتعالى .. فإنك تدرك أنه سيكون هناك تنادٍ بين الناس فى هذا الموقف العظيم .. هذا ينادى هذا بحكم قرابة الدنيا وبحكم الصِّلات التى كانت بينهم فى حياتهم قبل الموت ... ولكن الأسباب هنا تختفى .. فلا يصبح كل واحد ملتفتا إلى تحية أو لقاء .. الكل يقول ( نفسى نفسى ) .
وهكذا يساق الناس إلى أرض الميعاد ، وهم يترنحون من شدة الموقف .. خطواتهم غير ثابتة .. وكل من له عمل صالح يريد أن يهرب ممن لهم أعمال سوء .. وترى أولئك الذين تجمعوا على حب الدنيا .. وتجمعوا على معصية الله .. يفرون من بعضهم البعض وهم أعداء .. صداقتهم فى الدنيا قد تلاشت تماما ..
كل الناس فى هذا الموقف أعداء إلا .. المتقين .. ذلك لأنهم كانوا يتعاونون على الخير فوقوا أنفسهم من عذاب النار .. كل واحد منهم نصح الآخر والنصيحة كانت نافعة لينجو من العذاب فى هذا اليوم العظيم .. وفى ذلك يقول الله سبحانه وتعالى .. : ( الأخِلاّء يومئذ لبعض عدو إلا المتقين ) . الزخرف ( 67 ) .
وهكذا تظهر الصورة الأولى ليوم البعث .. المؤمنون فى هذا اليوم لهم نور يمشون به فى وسط ظلمات هذا اليوم العظيم .. والكافرون يحاولون أن يتقربوا من المؤمنين بأن ينادوا عليهم .. أو يطلبوا منهم أن يشفعوا لهم ، أو يكونوا لهم عونا .. ولكن هيهات .. لقد تقطعت الأسباب ، وأصبح كل إنسان مشغولا بنفسه .
وتكتمل الصورة فى قوله تعالى : ( يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قِبَلِهِ العذاب ) . الحديد ( 13 ) ..
وفى هذه الآية الكريمة .. يعطينا الحق سبحانه وتعالى صورة أخرى .. ففى يوم الحشر والناس فى طريقهم إلى أرض الميعاد .. من كثرة أعداد الناس وشدة الزحام تسود الظلمة .. فلا يرى الناس ما أمامهم .. إلا أن الله سبحانه وتعالى يضئ للمؤمنين نورا يمشون على هداه .
وحين يرى المنافقون هذا النور .. يحاولون أن يقتربوا من المؤمنين ليستعينوا بهذا النور على السير ، دون التخبط الذى يفرضه الظلام .. حينئذ يقال لهم ارجعوا فيرجعون بعيدا عن المؤمنين .. ثم يكون بينهم سور أو حاجز .. هذا الحاجز من ناحية المؤمنين فيه رحمة الله سبحانه وتعالى بما عملوا من صالح الأعمال .. فيحسون بالرحمة تحيط بهم من كل مكان .. بينما من الناحية الأخرى .. ناحية المنافقين والمنافقات .. يكون هذا السور محاطا بعذاب الله حيث يحسون بالعذاب يحيط بهم ... وهكذا يمشى الإثنان .. المؤمن تحيط به رحمة الله ونوره .. ،، والكافر والمنافق يحيط به عذاب الله ...
يقول الله سبحانه وتعالى : ( ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وغرتكم الأمانى حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور )
حينها عندما يعرف الكفار والمنافقون بالفرق ، ويحسون أن العذاب يحيطهم .. بينما الرحمة تحيط بالمؤمنين . فينادون على المؤمنين : ألم نكن معكم فى الحياة الدنيا .. ألم نعش فى وقت واحد !!!
فيرد عليهم المؤمنون .. نعم لقد عشنا فى يوم واحد .. ولكنكم أيها الكافرون والمنافقون فتنتم أنفسكم بما تقدمه الحياة الدنيا من نعم زائفة .. وكنتم تتربصون بعباد الله المؤمنين وتدبروا لهم الشر .. ودخلتْ فى أنفسكم الريبة من أنكم ملاقو الله .. فظننتم أنكم لن تلاقوه . وأنكم ستفلتون من هذا اليوم .. وجاءت شياطين الإنس والجن لتقدم لكم الأمانى الزائفة عما ستحققونه فى الدنيا ، فأصابكم الغرور بهذه الأمانى .. وتكبرتم وتجبرتم حتى جاء أجلكم .. وجاء أمر الله ، وجاء يوم الحساب .. فوجدتم أن ما وعدكم الله حق .. وأن غرور الشيطان باطل .. فاليوم لا ينفعكم شئ ، ولا ينجيكم من عذاب الله أحد .
تلك هى بعض المشاهد التى ستحدث يوم القيامة .. والناس يساقون إلى الحساب .. على أن هناك مشاهد أكثر ساعة يوضع الميزان ويبدأ حساب الناس ... يومها يفضح الله الكافرين أمام خلقه جميعا ... ويحدث حوار كبير يشهده الخلق جميعا .. ( أ.هـ . ).
أما عن ورد الأدعية لهذا اليوم فنحن مع أدعية سور الزخرف والجاثية والأحقاف وجاء فيها :
- ( سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين .. وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) . الزخرف ( 13- 14 ) . " دعاء الركوب "
- ( سبحان رب السماوات والارض رب العرش عما يصفون ) . الزخرف ( 82 ) .
- ( لله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين ) . الجاثية ( 36 ) .
- ( رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت على وعلى والدىّ وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لى فى ذريتى إنى تبت إليك وإنى من المسلمين ) . الأحقاف ( 15 ) .
بهذا تنتهى الحلقة السابعة ... على وعد بلقاء آخر .. إن قدر الله لنا البقاء واللقاء .. أترككم فى رعاية الله وأمنه .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .