بسم الله الرحمن الرحيم
( تأملات فى القرآن الكريم )
الحلقة الثالثة
- أسماء يوم القيامة -
الحمد لله الولىّ المولى .. العلىّ الأعلى ... الذى خلق فسوّى والذى قدّر فهدى ... والذى أخرج المرعى فجعله غثاءً أحوى ...
الحمد لله كما ينبغى لجلال وجهه وعظيم سلطانه ... رباه لا أحصى ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك .
والصلاة والسلام الأتمان الأكرمان على نبينا محمد الصادق الوعد الأمين ... ثم أما بعد .. ،
تكلمنا فى اللقاء السابق بفضل الله تعالى عن تجليات المولى سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم ... واليوم نتحدث عن أسماء يوم القيامة التى وردت فى القرآن الكريم وعن معانى بعضها ... فنسأل الله التوفيق والسداد .. ،
القرآن سمى يوم القيامة يوم الدِّين .. وسماه يوم الوعيد .. وسماه يوم الفصل .. وسماه الصاخة .. وسماه الوعد الحق .. وسماه الواقعة .. وسماه الساعة وسماه يوم الآزفة وأطلق عليه مسميات أخرى .. وكل هذه المسميات إنما هى لمظاهر هذا اليوم وما سيحدث فيه .
ما هو اليوم الآخر ؟
هو انتهاء أمد الدنيا وابتداء أمد الآخرة وليس معنى ذلك أننا سننتظر إلى آخر أيام الدنيا أو انقضاء عمرها لنرى لمحات مما سيحدث فى الآخرة .. بل إن كل إنسان فينا إذا كانت آخر أيامه من الدنيا يرى مقدمات الغيب .. بل إنه يرى هذه المقدمات وهو يحتضر .
- ويوم الفصل .. هو اليوم الذى يفصل فيه بين الناس .. فلا يوجد عمل فى الآخرة .. ولكن يوجد فصل فيما فعله الناس فى دنياهم ..
قال الله سبحانه وتعالى : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره .. ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ) . الزلزلة (7-8 ) ،
ولا يحسب الإنسان أنه مهما فعل سيُتقبل منه عمل يوم القيامة .. بل إن عمل الإنسان ينقطع من ساعة الإحتضار.. فليس هناك عمل فى حياة البرزخ ، مصداقا لقوله تعالى ( يأيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور ) . الممتحنة (13) . أى أن الذين ماتوا وهم كفار لا يقبل الله لهم عمل بعد الموت . ويوم الفصل معناه أنه لابد أن يحشر الناس جميعا ليفصل بينهم .
- ولقد استخدم الله سبحانه وتعالى يوم الجمع ويوم الحشر فى وصف يوم القيامة .. ويظن البعض أن هذه مترادفات لفظية ، ولكن القرآن هو كلام الله .. الذى لكل لفظ فيه معنى دقيق ينبهنا إلى شيء جديد ... فيوم الجمع معناه أن يجمع الناس جميعا فى صعيد واحد . ولكن يوم الحشر مختلف تماما .. فكلمة الحشر يريد الله أن يعطينا بها إحساساً بضيق المكان .. ذلك أنك عندما تحشر شيئا فإنك فى العادة تحاول أن تدخل شيئا كبيرا في مكان ضيق .
ولكى نقرب الصورة إلى الأذهان ... تصور بيتا كان فيه رجل وامرأة تزوجا وأنجبا أولادا .. والأولاد كبروا وتزوجوا وأنجبوا أولادا .. أى البيت الذى كان فيه اثنان واسع عليهما جدا .. فإذا بلغوا مائة اصبح المكان يضيق بهم .. فإذا بلغوا ألفا أصبحوا محشورين فى هذا المكان .
والله سبحانه وتعالى سيبعث الناس مرة واحدة ، وليس تِباعا كما خلقهم ... وأنت إذا أحصيت عدد من سكنوا بلدا من البلدان من أول الحياة .. وأحصيت الذين ولدوا على أرضه .. ثم ماتوا ودفنوا فيها من أول الخلق إلى يوم القيامة...ثم بُعثوا مرة واحدة .. ما هو الموقف ؟! إذن فالحيز سيصبح " محشورا " بالناس لأن الحياة التى نُثرت فى هذا المكان فى أزمان مختلفة عادت لأصحابها مرة واحدة .
وقول الله سبحانه وتعالى ( ذلك يوم مجموع له الناس ) - هود (103) - يعطينا معنى الجمع ولكنه لا يعطينا صورة هذا الجمع .. فيأتى يوم الحشر ليوضح الصورة الرهيبة التى سيكون عليها الناس يوم القيامة .
- ومن مظاهر هذا اليوم أيضا كما وصفه الله سبحانه وتعالى انه يوم الدِّين ... أى أن الله عز وجل يحاسب الناس على منهجه ، وهل اتبعوه أم خالفوه .. أم نسوه ... أى أن هذا يوم لا ينفع الإنسان فيه إلا دينه .
- وهو يوم التناد ... يوم نخرج جميعا كل واحد منا ينادى الله .
- وهو يوم الآزفة .. أى يأزف علينا فجأة .
- وهو يوم القيامة .. اى نقوم من قبورنا .
- وهو يوم الجزاء .. أى يوم يعلن فيه نتيجة الإمتحان الذى مر به الإنسان فى الحياة الدنيا .. ولا ينفع فيه إلا إجتهاده فى طاعة الله فى الدنيا .
- وهو يوم الصاخة .. التى تصخ الأسماع .
-وهو يوم القارعة .. التى تقرع الآذان فتنبهها من نومها العميق ويقوم الناس لرب العالمين .
وهكذا نرى أن كل اسم من أسماء يوم القيامة .. إنما يمثل ظاهرة من أحداث هذا اليوم .
والسؤال الآن .. لماذا وصف الله سبحانه وتعالى يوم القيامة بأنه " يوم " .. مع أن الله تعالى لا يحده زمان ولا مكان ..؟! انتظروا الحلقة الرابعة بإذن الله .
أما عن ورد الأدعية هذا اليوم فنحن مع أدعية سور التوبة ويونس وهود ويوسف وإبراهيم والإسراء وجاء فيها :
- ( حسبى الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ) . التوبة 129 .
- ( على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ... ونجنا برحمتك من القوم الكافرين ) . يونس 85-86 .
- ( رب إنى أعوذ بك أن أسألك ما ليس لى به علم... وإلا تغفر لى وترحمنى أكن من الخاسرين ) . هود 47 .
- ( فاطر السماوات والأرض أنت وليى فى الدنيا والآخرة .. توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين ) . يوسف 101 .
- ( رب اجعلنى مقيم الصلاة ومن ذريتى ربنا وتقبل دعاء ... ربنا اغفر لى ولوالدى وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ) .
- ( رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا ) . الإسراء 24 .
- ( رب أدخلنى مُدخَل صدقٍ وأخرجنى مُخرَجَ صِدْقٍ واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا ) . الإسراء 80 .
انتهت بفضل الله الحلقة الثالثة من هذا البرنامج ... فى انتظار تعليقاتكم .. ،
والله تعالى أسأل أن يجعل ما قلته زاداً إلى حسن المصير إليه وعتاداً إلى يُمن القدوم عليه .. إنه بكل جميل كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل .
سبحانك اللهم وبحمد أشهد أن لا إله إلا أنت .. أستغفرك وأتوب إليك .
المصدر ..... كتاب معجزة القرآن للشيخ الشعراوى
ملحوظة ... لمن أراد الكتاب كاملا ( عشرة أجزاء ) الرجاء كتابة ذلك فى الردود وسنقوم برفعه إن شاء الله..