" موسيقى الأحلام"
أرخى ساعده واستند إلى جذع الشجرة
ارتجف قليلا
أوشك أن ينهار
تصبب عرقا
وعرفت بأن الحمّى تسكن جسد الشيخ
بكى
قلت له والإشفاق يجيش بروحى
هل أجهدك الترحال؟
أي عاصفة تهتز بوجدانك؟
هل بلغ الجهد بشيخي حد اليأس
أم العجز؟
انتفض وقال: بل الموت
وشاغبت قليلا فتساءلت
هل خانتك امرأة؟
قال: بل الدنيا
وترقرق فيض من أسئلة تنزف في نهر رؤى
تتراقص
في ضوء يغرب ناحية الشرق
قلت له: ما كنت عهدتك إلا بستانيا
تملأ أغصان الأمل بأزهار الغد
ذلك بالأمس
اليوم جدير بعواصفك العاتية ونيرانك
قال: وموت الموسيقى في الروح
ذلك نعيُ الضوء إلى الأكوان
أسراب نجوم
ترحل في سحب من أكفان
سحب لا تمطر إلا لهبا ودخان
تلك دماء ربيع
تذبحه الغربان
قلت: وما حال الإنسان؟
رسم بإصبعه نصلا ينغرس بظهر
ووحوشا تتراكض خائفة
ووعولا في نهر من أحزان
قلت له: هل نولد ثانية من رحم الخوف؟
هل نتحول أم نبقى جثثا
تتعفف عنها الذؤبان؟
وأشاح الشيخ بوجه خضبه الغضب
وقال
انظر...هذا البهتان
يمشي في الأسواق يتوج كل النخاسين بتاج الإحسان
يمنح كل المحتالين صكوك الغفران
يلقون عليه أردية البركات
كم يتعرى في الظلمة
يغتصب العذراوات
يتباهى
يقترف الفتوى
ويشهر بالكلمات
الكلمات... الكلمات
هل أنت المتنبي؟
أم أنت أبو تمام؟
هل أنت الشعر الغارق في الأوهام؟
لا. بل أنت الصدق المقدام
هل تشرب قدحا من ماء النيل؟
قال الشيخ: نعم
وذهبت إلى النهر وحين رجعت
فاجأني صقر يلفظ آخر أنفاسه
وسؤال مطروح في غصن يابس
هل مات الشِعر؟
هل غاب الإنسان؟
وأتانى صوت واهن
بل ماتت في القلب الأنغام
يا شيخي ومتى ألقاك؟
تلقاني في جسد الأحلام
نقّب عني فى جسد الأحلام
لكن لا تنسَ الموسيقى
الموسيقى روح الشعر
وروح الصدق المقدام
دعني يا ولدي أغفو لحظات وأنام
موعدنا القادم حين تقوم
وتصدح بالموسيقى الأحلام