| رِجالٌ سارُوا علَى الدَّرْبِ | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
الجندى بدون لقب
عدد المساهمات : 89 تاريخ التسجيل : 01/05/2010
| موضوع: رِجالٌ سارُوا علَى الدَّرْبِ الجمعة 05 أغسطس 2011, 3:26 pm | |
| بسم الله .. ------------ سعيدُ بنُ عامرٍ الجُمَحِىّ ------------------------------- كانَ الفتى " سعيدُ بنُ عامرٍ الجُمَحِىُّ " واحداً من الآلاف المؤلّفة الذينَ خرجوا إلى منطقة " التنعيم " فى ظاهرِ مكةَ بِدعوةٍ من زُعَماء قريشٍ ، ليشهدوا مصرعَ " خُبَيْبِ بنِ عّدِىّ " .. أحدُ أصحابِ محمد بعدَ أن ظَفِروا به غدراً .
وقدْ مكّنهُ شبابُه وقوتهُ منْ أن يُزاحِمَ النَّاسَ بالمناكِبِ حتى حاذى شيوخَ قريشٍ منْ أمْثالِ أبى سُفيانَ بنِ حربٍ ، و صَفْوانَ بنِ أُميةَ ، وغيرهما مِمَّن يتصدَّوْن الموكب.
وقدْ أتاحَ لهُ ذلكَ أنْ يرى أَسيرَ قريشٍ مُكَبَّلا بقيودهِ ، وأَكُفُّ النساءِ والصبيانِ والشُبانِ تدفَعُهُ إلى ساحةِ الموتِ دفعاً ليَنْتقموا من محمد فى شخصه ، وليثأروا لِقتلاهُم فى " بدرٍ " بقَتلهِ .
* * * * *
ولمَّا وصَلَتْ هذهِ الْجُمُوعُ بأسيرِها إلى المكانِ المُعَدِّ لِقَتْلهِ ، وَقَفَ الفتى " سعيدُ بنُ عامرٍ الجُمَحِىّ " بقامَتهِ الممدودةِ يُطِلُّ على " خُبَيْبٍ " وهو يُقَدَّمُ إلى خَشَبةِ الصَّلبِ ، وسَمِعَ صوتهُ الثابتَ الهادئَ من خِلالِ صياحِ النِّسوَةِ والصِّبْيانِ وَهُوَ يَقولُ :
- " إنْ شِئْتُمْ أنْ تتْرُكُونى أَرْكعُ رَكْعَتينِ قبْلَ مَصْرعِى فافْعَلوا .. "
ثُمّ نَظرَ إلَيْهِ وهُوَ يَسْتَقبلُ الْكَعْبةَ ، و يُصَـلِّى رَكْعَتيْنِ ، ... فــيا لِحُسْنِهِما و يــا لِتَمامِهما ثم رآهُ يُقْبِلُ على زُعَماءِ القوْمِ و يقولُ :
- " واللهِ لولا أنْ تَظُـنُّوا أنِّى أطَلْتُ الصّلاةَ جَزَعاً من الموتِ ؛ لاسْتَكْثَرتُ منَ الصّلاةِ ... "
ثُمَّ شَهِدَ قومهُ بِعَيْنَىْ رأسِهِ و هُمْ يُمَـثلونَ بـ " خُبَيْبِ " حيَّاً ، فَيَقْطَعونَ منْ جَسَدهِ القطْعةَ تِلْوَ القِطعةِ وهُمْ يقولونَ لهُ :
- " أَتحبُّ أنْ يَكونَ مُحَمَّدٌ مكانكَ و أنتَ ناجٍ ؟! .. "
فيقولُ – والدِّماءُ تَنْزفُ مِنهُ - :
- " واللهِ ما أُحبُّ أنْ أَكونَ آمِناً وَادِعاً في أهلي و ولَدى ، وَ أنَّ مُحَمَّداً يُوخَزُ بِشوْكة !! .. "
فَيُلوِّحُ الناسُ بأيْدِيهِم فى الفَضاءْ ، و يَتَعالى صِياحُهِمْ : أنِ اقتلُوهُ .. اقتلوه .. !!
ثُمّ أبْصرَ " سَعيدُ بنُ عامرٍ " " خُبَيْباً " يَرْفعُ بَصَرَهُ إلى السَّماءِ مِنْ فَوْقِ خَشَبةِ الصَّلْبِ و يَقولُ :
- " اللهمّ أحْصِهِم عَدَدا ، واقْتُلْهُم بَدَدا ، ولا تُغادِرْ مِنْهُم أحَدا " . .. ثُمّ لَفظَ " خُبَيْبٌ " أنْفاسَهُ الأَخيرة !!
* * * * * * عادتْ قريشٌ إلى مكّةَ ، و نَسِيَتْ فى زحْمةِ الأحْداثِ الجِسامِ " خُبَيْباً " وَ مصْرَعَهُ .
لكنّ الفتى اليافعَ " سعيدُ بْنَ عامرِ الجُمَحِىّ " لمْ يَغِبْ " خُبَيبٌ " عنْ خَاطِرهِ لَحظَةً ... كانَ يَراهُ فى حُلُمهِ إذا نامَ ، ويراهُ بِخيالهِ وهوَ مُسْتيْقِظٌ ، ويَمْثُلُ أمامهُ وهو يُصلِّى رَكْعَتيْهِ الهادِئَتَيْنِ المُطْمَئنَّتينِ أمامَ خَشبةِ الصَّلْبِ ، وَ يَسْمعُ رنينَ صَوْتهِ فى أذُنيهِ وَ هو يدعو على قُريشٍ ، فيَخْشى أنْ تصعَقَهُ صاعِقَةٌ ؛ أوْ تَخِرَّ عليهِ صَخْرةٌ منَ السَّماءِ .
ثُمَّ إنَّ " خُبَيْباً " علّمَ " سعيداً " ما لمْ يكنْ يَعْلمُ منْ قَبلُ ...
علّمَهُ أنّ الحياةَ الحقّةَ .. عقيدةٌ وجِهادٌ في سَبيلِ الْعَقيدةِ حتَّى الْمَوتِ . وعلّمهُ أيضاً أنّ الإيمانَ الراسِخَ يَفعلُ الأعاجيبَ ، ويَصنعُ المُعْجزاتِ . وعلَمهُ أمرا آخرَ ، هوَ أنَّ الرجلَ الذي يُحِبهُ أصْحابُهُ كلَّ هذا الحُب .. إنما هو نبىٌّ مُؤيدٌ من السَّماء.
عندَ ذلكَ شَرحَ اللهُ صدرَ " سّعيدِ بْنِ عامرٍ " إلى الإسلامْ ، فقامَ في مَلإٍ مِنَ النَّاسِ ، وأعْلَنَ براءتَهُ مِنْ آثامِ قُرَيشٍ وأوزارِها ، و خَلْعِهِ لأصْنامِها و أوْثانِها وَ دُخولهِ فى دين اللهِ.
* * * * * *
هاجَرَ " سعيدُ بْنُ عامرٍ " إلى المدينةِ ، ولزِمَ رسولَ الله صلواتُ الله عليهِ ، و شَهِدَ معهُ " خَيْبرَ " وما بعدها مِنَ الغزواتِ.
ولمّا انتقلَ النبىُّ الكريمُ – صلّى اللهُ عليْهِ وسلّمَ – إلى جِوارِ ربِّهِ وهوَ راضِ عنهُ ، ظلَّ مِنْ بعدهِ سيْفاً مَسْلولاً فى أيدى خَليفَتيْهِ " أبى بكرِ " و " عُمَرَ " ، وعاشَ مَثَلا فريداً للمؤْمِنِ الذى اشترى الآخرةَ بالدُّنيا ، وآثرَ مَرْضاةَ اللهِ وَ ثوابَهُ على سائرِ رَغَباتِ النَفسِ ، وَ شَهَواتِ الجَسَدِ . | |
|
| |
aliaa rabie بدون لقب
عدد المساهمات : 78 تاريخ التسجيل : 15/07/2010 العمر : 33
| موضوع: رد: رِجالٌ سارُوا علَى الدَّرْبِ السبت 06 أغسطس 2011, 10:44 am | |
| | |
|
| |
آية بدون لقب
عدد المساهمات : 1528 تاريخ التسجيل : 19/12/2009
| موضوع: رد: رِجالٌ سارُوا علَى الدَّرْبِ السبت 06 أغسطس 2011, 1:07 pm | |
| جميل جدا متابعون ان شاء الله | |
|
| |
الجندى بدون لقب
عدد المساهمات : 89 تاريخ التسجيل : 01/05/2010
| موضوع: رد: رِجالٌ سارُوا علَى الدَّرْبِ السبت 06 أغسطس 2011, 1:16 pm | |
| جزاكم الله كل الخير على المتابعة .. :) | |
|
| |
الجندى بدون لقب
عدد المساهمات : 89 تاريخ التسجيل : 01/05/2010
| موضوع: رد: رِجالٌ سارُوا علَى الدَّرْبِ السبت 06 أغسطس 2011, 1:24 pm | |
| بسم الله .. ------------- الحلقة الثانية : عَمْرو بْنُ الجَموحْ
( شَيخٌ عَزَمَ على أنْ يَطَأَ بـِعَرْجَتِهِ الجَنَّة ) --------------------------------------------- هوَ زعيمٌ مِنْ زُعماءِ " يثربَ " فى الجاهِليَّةِ ، وسيّدُ بَنِي " سَلَمَةَ " ، وواحدٌ مِن كُرماءِ المدينةِ وَذوى المُروءاتِ فيها.
أسْلَمَ " عمْرو بْنُ الجَموحِ " بَعْدَ أنْ أسْلَمَ أبْناؤهُ الثلاثةُ " مُعَوَّذ ، مُعَاذ ، خَلاَّد " ، ومَعَهُمْ أمُّهُم " هِنْدُ " ، وكانَ قد بلَغَ السِّتِّينَ مِنْ عُمرهِ.
تَذوَّقَ " عمْرو بْنُ الجَموحِ " مِن حلاوةِ الإيمانِ ، ما جَعَلهُ يَعضُّ بَنانَ النَّدَمِ على كُلِّ لحظةٍ قَضَاها فى الشِّرْكِ ، فأقبلَ على الدِّينِ الجَديدِ بجَسَدِهِ وروحِهِ ، ووضعَ نَفْسَهُ ومالَهُ وولَدَهُ فى طاعَةِ اللهِ ورَسولِهِ. * * * * * *
ومَا هُوَ إلا قليلٌ حتَّى كانتْ " أحُدٌ " ، فرأى " عَمْرو بْنُ الجَمُوحِ " أبْناءَهُ الثلاثةَ يَتَجَهَّزونَ لِلِقاءِ الْعَدُوِّ ، ونَظَرَ إلَيْهِم غَادِينَ رائِحينَ كَأُسْدِ الغابِ ، وَهُمْ يتوَهَّجونَ شَوْقاً إلى نيْلِ الشَّهادَةِ والْفَوْزِ بمَرْضاتِ اللهِ، فأثارَ المَوْقِفُ حَمِيَّتَهُ ، وعَزَمَ عَلى أنْ يَعْدُو مَعَهُم إلى الجِهادِ تَحْتَ رايَةِ رسولِ اللهِ – صلواتُ اللهِ عليهِ - .
لكِنَّ الْفِتْيَةَ أجْمَعُوا على مَنْعِ أبيهِم ممَّا عَزَمَ عليهِ ؛ فهوَ شَيْخٌ كبيرٌ طاعِنٌ فى السِّنِّ ، وهوَ إلى ذلكَ أعْرجُ شديدُ العَرَجِ ، وقدْ عَذَرَهُ اللهُ عزَّ وجَلَّ فيمَنْ عَذَرَهُمْ . فغضِبَ الَّشيخُ غضَبَاً شَديداً ، وانْطَلَقَ إلى رَسُولِ الله – صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ – يَشْكوهُم ، فقالَ : " يَا نَبِيَّ اللهِ ، إنَّ أَبْنائي هؤلاءِ يريدُونَ أنْ يَحْبِسوني عَنْ هذا الْخَيْرِ وهُمْ يَحْتَجُّونَ بأنِّي أعْرَجُ ، واللهِ إنِّى لأرْجُو أنْ أطَأَ بِعَرْجَتى هذهِ الجَنَّةَ. "
فقالَ الرَّسولُ – عليهِ الصَّلاةُ السلامُ – لأبْنائِهِ : " دَعُوهُ ، لعلَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يَرْزُقُهُ الشَّهَادَةَ " . * * * * * *
ومَا إنْ حانَ وقتُ الخُرُوجِ ، حتَّى ودَّعَ " عمْرو بْنُ الجَموحِ " زَوْجَتَهُ ودَاعَ مُفَارِقٍ لا يَعُودُ .. ثُمَّ اتَّجَهَ إلى القِبْلَةِ ورَفَعَ كَفَّهُ إلى السَّماءِ وقال : - " اللَّهُمَّ ارْزُقْني الشَّهَادةَ ولا تَرُدَّنِي إلى أهْلي خائباً " .
ثُمَّ انْطَلَقَ يحيطُ بهِ أبْناؤهُ الثَّلاثَةُ وجُمُوعٌ كَثِيرَةٌ مِنْ بَنِي " سَلَمَةَ " .
ولمَّا حَمِيَ وَطِيسُ الْمَعْرَكَةِ ، وتَفَرَّق الناسُ عَنْ رَسُولِ اللهِ – صلواتُ اللهِ عَلَيْهِ - ، شُوهِدَ " عمْرو بْنُ الجَموحِ " يَمْضى فى الرَّعِيلِ الأوَّلِ ، وَ يَثُبُّ على رِجْلِهِ الصَّحِيحَةِ وَثْباً وهوَ يقولُ : " إنِّى لَمُشْتَاقٌ إلى الْجَنَّةِ ، إنِّى لَمُشْتَاقٌ إلى الجَنَّةِ " ... وكانَ وراءهُ ابنُهُ " خَلاَّدٌ " .
وما زالَ الشَّيخُ وَفَتاهُ يُجالِدانِ عَنْ رَسُولِ اللهِ – صلواتُ اللهِ عَلَيْهِ – حتَّى خَرَّا صَريعَيْنِ شَهِيدَيْنِ على أرْضِ الْمَعْرَكَةِ ، لَيْسَ بَيْنَ الابنِ وأبيهِ إلا لحظاتٌ . * * * * * *
وما إنْ وَضَعَتِ المَعْرَكَةُ أوْزارَها ، حتَّى قامَ رَسولُ اللهِ – صلواتُ اللهِ عليْهِ – إلى شُهَدَاءِ " أحُدٍ " لِيُواريَهُِم تُرابَهُمْ ، فقالَ لأصْحَابِهِ : " خَلُّوهُم بدِمائِهم وَجِرَاحِهِم ، فأنَا الشَّهِيدُ عليْهِمْ " ..
ثُمَّ قالَ – صلواتُ اللهِ عليْهِ - : " ما مِنْ مُسْلِمٍ يُكْلَمُ في سبيلِ اللهِ ، إلاَّ جاءَ يومَ القِيامَةِ يَسِيلُ دمَاً ، اللَّونُ كَلَوْنِ الزَّعْفَرانِ ، والرِّيحُ كَرِيحِ المِسْكِ " ..
ثُمَّ قالَ : " ادْفِنوا عَمْرَو بْنَ الجَمُوحِ معَ عَبْدِ اللهِ بنِ عمْرٍو ؛ فَقَدْ كانا مُتَحَابَيْنِ مُتَصافِيَيْنِ فى الدُّنْيا " . * * * * * *
رَحِمَ اللهُ " عمْرَو بْنَ الجَموحِ " ورَضِيَ عَنْهُ ، وعَنْ أصْحَابِهِ مِنْ شُهَداء " أحُدٍ ".
| |
|
| |
رقية حمامة السلام
عدد المساهمات : 1549 تاريخ التسجيل : 13/12/2009
| موضوع: رد: رِجالٌ سارُوا علَى الدَّرْبِ السبت 06 أغسطس 2011, 10:19 pm | |
| بورك لكم في اختياراتكم
متابعون | |
|
| |
الجندى بدون لقب
عدد المساهمات : 89 تاريخ التسجيل : 01/05/2010
| موضوع: رد: رِجالٌ سارُوا علَى الدَّرْبِ الإثنين 08 أغسطس 2011, 9:05 am | |
| وفيكم بارك ..
جزيتم خيرا على المتابعة .. | |
|
| |
الجندى بدون لقب
عدد المساهمات : 89 تاريخ التسجيل : 01/05/2010
| موضوع: رد: رِجالٌ سارُوا علَى الدَّرْبِ الإثنين 08 أغسطس 2011, 9:06 am | |
| عبدُ اللهِ بْنُ حُذافَةَ السَّهْمِيُّ ---------------------------------
بطلُ قصَّتِنا هذهِ رَجُلٌ مِنْ الصَّحابَةِ ، كانَ في وُسْعِ التَّاريخِ أنْ يَمُرَّ بهِ كما مرَّ بملايينِ الْعَرَبِ مِنْ قَبْلهِ دونّ أنْ يأبهَ لهُم ، لكنَّ الإسْلامَ العَظيمَ أتاحَ لهُ أنْ يَلْقَى سيِّدَيِ الدُّنيا فى زمانِهِ : كِسرَى مَلِكَ الفُرْسِ ، وقيصرَ عظيمَ الرُّوم. سنَذكُرُ لكم قصَّتَهُ مع " قيصر " .. وهىَ قِصَّةٌ ما تزالُ تَذكُرُها ذاكِرَةُ الدَّهرِ ، ويَرْويهَا لِسانُ التَّاريخِ . * * * * * * في السنةِ التَّاسِعَةَ عشْرَةَ للهِجْرَةِ بَعَثَ " عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ " جَيْشاً لِحَرْبِ الرُّومِ وكان فيهِ " عبدُ اللهِ بْنُ حُذافَةَ السَّهْمِيُّ " .
وكانَ " قَيْصرُ " قد بَلَغتْهُ أخْبارُ جُندِ المُسْلِمينَ ، وما يتَحَلَّوْنَ بهِ مِنْ صِدْقِ الإيمانِ ، ورُسُوخِ العَقِيدةِ ، واسْتِرْخاصِ النَّفْسِ فى سبيلِ اللهِ .. فَأمَرَ رِجالَهُ – إذا ظَفِروا بأسيرٍ مِنَ المُسْلِمِينَ – أنْ يأتُوهُ بِهِ حيَّاً . وشاءَ اللهُ أن يقعَ " عبدُ اللهِ بْنُ حُذافَةَ السَّهْمِيُّ " أسيراً في أيْدي الرُّومِ فَحَمَلوهُ إلى مَلِكِهِم كما أمَرَهُمْ .
* * * * * * نظرَ " قَيْصَرُ " إلى " عَبْدِ اللهِ بنِ حُذافَةَ " طويلاً ،
ثمَّ بادَرَهُ قائلاً : إنِّي أعْرِضُ عَليْكَ أمْراً . قال : وما هُوَ ؟ فقالَ : أعْرِضُ عَلَيْكَ أن تتَنَصَّرْ ، فإنْ فَعَلْتَ .. خَلَّيْتُ سَبيلَكَ ، وأكْرمْتُ مَثوَاكَ . فقالَ الأسيرُ – فى عِزَّةٍ و حَزْمٍ - : هيْهــــاتْ .. إنَّ المَوْتَ لأحبُّ إليَّ ألْفَ مَرَّةٍ ممَّا تَدْعُونِي إلَيْهِ !! فقالَ " قيصرُ " : إنِّي أراكَ رجُلاً شَهْماً ، فإنْ أجَبْتَني إلي ما أعْرِضُهُ عَلَيْكَ .. قاسَمْتُكَ سُلْطَانِي . تبسَّمَ الأسيرُ وقالَ : واللهِ لوْ أعْطَيْتَني جَمِيعَ ما تَمْلِكُ وجمِيعَ ما مَلَكَتْهُ العَرَبُ على أنْ أرجِعَ عنْ دينِ مُحَمَّدٍ طَرْفَةَ عَيْنٍ ، ما فعَلْتُ . قالَ : إذا أقْتُلُكَ .. قالَ : أنتَ وما تُريدُ .. !
ثُمَّ أمرَ بهِ فَصُلِبَ ، وقالَ لِقنَّاصَتِهِ : ارموهُ قَريباً مِنْ يَدَيْهِ ، وهوَ يَعْرِضُ عليهِ التَّنَصُّرَ .. فأبَى . فقال : ارمُوهُ قَرِيباً مِنْ رجْلَيْهِ ، وهوَ يَعْرِضُ عليْهِ مُفَارَقَةِ دِينهِ .. فأبَى .
عِنْدَ ذلكَ .. أمَرَ القوْمَ أنْ يَكُفُّوا عنهُ ، وَطَلَبَ إليْهِمْ أن يُنْزِلوهُ عَنْ خَشَبَةِ الصَّلْبِ .. ثُمَّ أمَرَ بقِدْرٍ عظيمةٍ فَصُبَّ فيها الزيتُ ، ورُفِعَتْ على النَّارِ حتَّى غَلَتْ .. ثمَّ دَعا بأسيريْنِ مِنَ المُسْلِمينَ ، فأمَرَ بِأحَدِهِما أنْ يُلْقَى فيها فألْقِىَ ، فإذا لحْمُهُ يَتَفتتُ .. وإذا عِظامُهُ تَبْدو عارِيةً . ثمَّ التَفَتَ إلى " عبدِ اللهِ بْنُ حُذافَةَ السَّهْمِيِّ " ودعَاهُ إلى النَّصْرانِيَّةِ ، فكانَ أشدَّ إباءً لها مِنْ قَبْلُ .
فلمَّا يَئِسَ مِنْهُ .. أمَرَ به أنْ يُلْقى فى القِدْرِ التي أُلْقِيََ فيها صاحِباهُ ، فلمَّا ذُهِبَ به .. دمَعَتْ عيْناهُ ، فقالَ رجالُ " قيصرَ " لمَلِكِهِمْ : إنَّه يَبْكِى .. فَظَنَّ أنَّهُ قدْ جَزِعَ ، وقالَ : رُدُّوهُ إليَّ .. فلمَّا وقفَ بيْنَ يَديْهِ ، عرَضَ علَيْهِ التَّنَصُّرَ فأبَي . فقال : ويْحَكَ ، فما الذي أبْكاكَ إذاً ؟!! قالَ : أبْكانِي أنِّي قُلْتُ فى نَفْسِي : " تُلْقَى الآنَ في هذه القِدرِ ، فَتَذهبَ نَفْسُكَ " ، وقدْ كُنتُ أشْتَهي أنْ يكونَ لي بعَدَدِ ما في جَسَدِي مِنْ شَعْرٍ أنْفُسٌ فَتُلْقَي كُلُّها في هذا القِدرِ فى سَبيلِ اللهِ . فقالَ الطَّاغِيَةُ : هلْ لكَ أنْ تُقَبِّلَ رَأسِي وأخَلِّي عنكَ ؟ فقالَ لهُ عبدُ اللهِ : وعنْ جَميعِ أسْرى المُسلِمينَ أيضاً ؟ قالَ : وعنْ جَميعِ أسْرى المُسلِمينَ أيضاً . قال عبدُ اللهِ : " فقُلْتُ فى نَفْسي : عَدُوٌّ مِنْ أعداء اللهِ ، أقَبِّلُ رأسَهُ فَيُخَلِّى عَنِّى وَ عَنْ أسرى المُسْلِمِينَ جميعاً ، لا ضَيرَ فى ذلكْ "
ثُمَّ دَنا مِنهُ وقَبَّلَ رأسَهُ ، فأمَرَ عظيمُ الرُّومِ أنْ يَجمَعوا له أسْري المُسْلِمينَ وأنْ يَدْفَعوهُم إلَيْهِ ، فدُفِعُوا لهُ .
* * * * * * قَدِمَ " عبدُ اللهِ بنُ حُذافَةَ " على " عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ " – رضِيَ اللهُ عنهُ - ، وأخبَرَهُ خَبَرَهُ ؛ فَــسُــرَّ بهِ الفاروقُ أعظمَ السُّرورِ ،ولمَّا نَظَرَ إلى الأسْرى قالَ :
" حقٌ على كُلِّ مُسْلِمٍ أنْ يُقَبِّلَ رأسَ عبدِ الله بنِ حُذافَةَ ... وأنا أبدأُ بذلكَ " ثُمَّ قامَ وقَبَّلَ رأسَهُ . | |
|
| |
الجندى بدون لقب
عدد المساهمات : 89 تاريخ التسجيل : 01/05/2010
| موضوع: رد: رِجالٌ سارُوا علَى الدَّرْبِ الثلاثاء 09 أغسطس 2011, 10:11 am | |
| بسم الله .. ------------ الحلقة الرابعة : عبدُ اللهِ بنُ أمِّ مَكْتُومٍ ----------------- رجلٌ أعْمَى .. أنْزلَ اللهُ فى شأنهِ سِتَّ عَشْرَةَ آيةً تُلِيَتْ .. وسَتَظلُّ تُتْلَى ما تعاقب الليلُ والنهارُ ------------------------------------------------------------------------------------
أرجو أن تذكروا دائما أثناء قراءتِكُم أن هذا الرجل كان " أعمى " .. !! اللهُ المُسْتعان !! ::::::::::::::::::::
منْ هذا الذى عُوتِبَ فيهِ النَّبيُّ الكريمُ – صلواتُ اللهِ عليْهِ – مِنْ فوْقِ سبعِ سماواتٍ أقْسى عِتابٍ ؟!
مَنْ هذا الذي نَزَلَ بِشأنِهِ جبريلُ الأمينُ على قَلْبِ النَّبيِّ الكريمِ – صلواتُ اللهِ عليهِ – بِوحيٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ ؟!
إنَّهُ " عبدُ اللهِ بنُ أمِّ مَكْتُومٍ " .. مُؤَذِنُ الرَّسولِ - صلَواتُ اللهِ وسلامُهُ عَلَيْهِ - . * * * *
وَ " عبدُ اللهِ بنُ أمِّ مَكْتُومٍ " .. مَكِّيٌ قُرَشيٌّ تربُطُهُ بالنَّبِيِّ الكريمِ – صلواتُ اللهِ عليهِ – رَحِمٌ ، فهو ابْنُ خالِ أمِّ المُؤمِنينَ " خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ " رِضْوانُ اللهِ عَلَيْها .
أمَّا أبوهُ فاسْمُهُ " قَيْسُ بْنُ زائِدة " ، وأمَّا أمُّهُ فاسْمُها " عاتِكَةُ بِنتُ عَبْدِ اللهِ " ، وقَدْ دُعِيَتْ بأمِّ مَكْتُومٍ لأنَّها وَلَدَتْهُ أعْمَى مَكْتُومَاً. * * * *
شَهِدَ " عبدُ اللهِ بنُ أمِّ مَكْتُومٍ " مَطْلِعَ النُّورِ في مَكَّةَ ، فَشَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ للإسْلامِ ، وكانَ مِنَ السَّابِقِينَ إليهِ .
وقدْ عانَى " ابنُ أمِّ مكْتُومٍ " مِنْ أذَى قرَيشٍ ما عاناهُ أصْحَابُهُ ، وذاقَ مِنْ بَطْشِهم وقَسْوَتِهِمْ ؛ فما فتَرَتْ لهُ حَمَاسَةٌ ، ولا ضَعُفَ لهُ إيمَانٌ .. وإنَّما زادهُ ذلكَ اسْتِمْساكاً بهذا الدِّينِ وتَعَلُّقا بكِتابِ اللهِ وتَفَقُّهاً بِشَرْعِ اللهِ ، وإقبالاً على الرَّسولِ – صلواتُ اللهِ وسلامُهُ علَيْهِ - .
ولمَّا أذِنَ اللهُ للمُسْلِمينَ بالهِجْرَةِ .. كانَ " عبدُ اللهِ بنُ أمِّ مَكْتُومٍ " أسرَعَ القومِ مُفارَقَةً لوَطَنِهِ وفِراراً بدينِهِ .. فقد كانَ هوَ و " مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ " أوَّلَ مَنْ قَدِمَ المَدِينةَ مِنْ أصْحابِ رَسولِ اللهِ – صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عَليْهِ – ومَا إنْ بلَغَا " يَثرِبَ " حتَّى طَفِقا يَتَرَدَّدانِ إلى النَّاسِ ويُقْرِآنِهِمُ القُرْآنَ ، ويُفَقِّهانِهمْ في دينِ اللهِ. * * * *
ولمَّا قَدِمَ رسولُ اللهِ – صلواتُ اللهِ عَلَيْهِ – إلى المَدينَةِ ، اتَّخَذَ " عبدُ اللهِ بنُ أمِّ مَكْتُومٍ " و " بلالَ بنَ رباحٍ " مُؤَذِنَيْنِ للمُسْلِمينَ يَصْدَعانِ بِكَلِمَةِ التَّوْحيدِ .. فكانَ " بلالٌ " يُؤذِّنُ ، و " ابنَ أمِّ مَكْتومٍ " يقيمُ الصلاةَ ، وربَّما أذَّنَ " ابنُ أمِّ مكْتومٍ " ، وأقامَ " بلالٌ " . * * * *
وفى أعْقابِ غَزوةِ " بدْرٍ " .. أنْزلَ اللهُ على نَبِيِّه من آيِ القرآنِ ما يَرْفعُ شأنَ المُجاهِدينَ ، ويُفَضِّلُهُم على القاعِدينَ .. لِيَنْشطَ المُجاهِدُ إلى الجِهادِ ، ويأنَفَ القاعِدُ مِنَ القُعُودِ .
فأنزل اللهُ على نبيِّهِ : " لاَ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤمِنِينَ والْمُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ ... "
فأثَّرَ ذلكَ فى نَفْس " ابْنِ أمِّ مَكْتومٍ " ، وعزَّ عليهِ أنْ يُحْرَمَ مِنْ هذا الفَضْلِ وقالَ : - " يا رَسولَ اللهِ ، لوْ أسْتَطيعُ الجِهادَ لجاهَدتُّ ".
ثُمَّ سألَ اللهَ بِقَلْبٍ خاشِعٍ أن يُنَزِّلَ قرآناً في شأنِهِ وشأنِ أمثالِهِ مِمَّنْ تَعُوقُهُم عاهَاتُهُم عنِ الجِهادِ ، وجعَلَ يدْعو فى ضَراعَةٍ : " اللَّهمَّ أنزِل عُذْري .. اللَّهُمَّ أنْزلْ عُذري "
فما أسْرَعَ أنِ اسْتَجابَ اللهُ لِدُعائِهِ وأنزلَ على رسولِهِ : " غَيرُ أولِى الضَّرَرِ " فكانتِ الآيةُ .. " لاَ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤمِنِينَ غَيرُ أولِى الضَّرَرِ والْمُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ " النَّساء : 95 * * * *
وعلى الرَّغْمِ مِنْ أنَّ اللهَ سُبْحانَهُ قَدْ أعْفَى عبدَ اللهِ بنَ أمِّ مَكْتُومٍ وأمْثالَهُ مِنَ الجِهادِ ، فقَدْ أبَتْ نَفْسُهُ الطَّمُوحُ أنْ يَقْعُدَ مَعَ القَاعِدينَ ، وعَقَدَ العَزمَ على الجِهَادِ فى سَبيلِ اللهِ ... ذلك لأنَّ النُّفوسَ الكَبيرةَ لا تَقْنَعُ إلا بِكِبارِ الأمُورِ. فحَرِصَ مُنذُ ذلكَ اليومِ على ألاَّ تَفوتُهُ غَزْوةٌ ، وحَدَّدَ لِنفْسِهِ وَظِيفَتَها فى ساحاتِ القِتالِ فكانَ يقولُ : " أقِيمُوني بينَ الصَّفَّيْنِ ، وحَمِّلُونى اللِّواءَ أحْمِلُهُ لكُم وأحْفَظُهُ .. فأنَا أعْمَى لاَ أسْتَطِيعُ الفِرارَ " * * * * وفى السَّنَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ للْهِجْرَةِ .. عَزَمَ " عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ " على أنْ يَخُوضَ معَ " الفُرْسِ " معْرَكَةٌ فاصِلَةٌ تُزيلُ مُلكَهُمْ ، وتَفْتَحُ الطَّريقَ أمامَ جُيوشِ المُسْلِمينَ. وطَفِقَتْ جُمُوعُ المُسْلِمينَ تلَبِّي نِداءَ الْفاروقِ ، وتَنْهالُ على الْمَدِينةِ مِنْ كَلِّ حَدَبٍ وَصَوْبٍ ، وكانَ فى جُملةِ هؤلاءِ .. المُجاهِدُ المَكْفوفُ البَصَرِ " عبدُ اللهِ بْنُ أمِّ مَكْتُومٍ ". أمَّرَ الفاروقُ على الجيشِ الكَبيرِ " سعدَ بْنَ أبى وقَّاص " ، وأوصاهُ وودَّعَهُ .. ولمَّا بلغَ الجيشُ " القادِسِيَّةَ " ، بَرَزَ " عبدُ اللهِ بْنُ أمِّ مَكْتومٍ " لابِساً دِرْعَهُ ، ونَدَبَ نَفْسَهُ لِحَمْلِ رايَةِ المُسلِمينَ والْحِفاظِ عَلَيْها . * * * * والْتَقى الجَمْعانِ فى أيَّامٍ ثلاثَةٍ عابِسَةٍ قاسِيَةٍ ... حتَّى انْجَلَى اليومُ الثَّالِثُ عَن نَصْرٍ مُؤَزَّرٍ للمُسْلِمينَ .. فزالَ عَرْشٌ مِنْ أعْرَقِ عُروشِ الدُّنيا .. ورُفِعَتْ رايةُ التَّوْحيدِ فى أرْضِ الوَثَنِيَّةِ .. وكانَ ثَمَنُ هذا النَّصرِ المُبينِ .. مئاتُ الشُّهَداءِ .. وكانَ بينَ هؤلاءِ الشُّهَداءِ " عبدُ اللهِ بنُ أمِّ مَكْتومٍ " .. | |
|
| |
مصطفى نسر المنتدى الجارح
عدد المساهمات : 144 تاريخ التسجيل : 12/06/2010 العمر : 32 الموقع : حمهورية مصر العربية وافتخر
| موضوع: رد: رِجالٌ سارُوا علَى الدَّرْبِ الثلاثاء 09 أغسطس 2011, 11:57 am | |
| بسم الله موضوع جميل والله كان نفسي اقرا كتاب الصحابة ده السنة دي كويس انك بتتكلم هنا عنهم وفرت متابعين معاك يا جندي ربنا يجازيك خير | |
|
| |
رقية حمامة السلام
عدد المساهمات : 1549 تاريخ التسجيل : 13/12/2009
| موضوع: رد: رِجالٌ سارُوا علَى الدَّرْبِ الأربعاء 10 أغسطس 2011, 3:20 pm | |
| اختيارات فعلا أكثر من ممتازة
متابعون | |
|
| |
آية بدون لقب
عدد المساهمات : 1528 تاريخ التسجيل : 19/12/2009
| موضوع: رد: رِجالٌ سارُوا علَى الدَّرْبِ الخميس 11 أغسطس 2011, 12:28 am | |
| ماشاء الله جزاكم الله خيرا
| |
|
| |
الجندى بدون لقب
عدد المساهمات : 89 تاريخ التسجيل : 01/05/2010
| موضوع: رد: رِجالٌ سارُوا علَى الدَّرْبِ الجمعة 12 أغسطس 2011, 1:20 pm | |
| - مصطفى كتب:
كان نفسي اقرا كتاب الصحابة ده السنة دي كويس انك بتتكلم هنا عنهم وفرت
------ أى خدمة يا باشا .. ابقى افتكر الجمايل دى بس | |
|
| |
الجندى بدون لقب
عدد المساهمات : 89 تاريخ التسجيل : 01/05/2010
| موضوع: رد: رِجالٌ سارُوا علَى الدَّرْبِ الجمعة 12 أغسطس 2011, 1:22 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم -------------------------- الحلقة الخامسة : أبو عُبَيْدةَ بنُ الجَرَّاحِ ------------------------------------------ كانَ وَضِئَ الوجْهِ ، بَهِيَّ الطَّلْعَةِ ، نحيلَ الجِسمِ ، طويلَ القامةِ .. ترْتاحُ العَيْنُ لمَرْآهُ ، ويَطْمَئِنُّ إليهِ الفُؤادُ. وكانَ إلى ذلكَ كثيرَ التواضُعِ ، شَديدَ الحياءِ ، لكِنَّهُ كانَ إذا حَزَبَ الأمرُ وجدَّ الجدُّ .. يغدُو كأنَّهُ الليثُ عادِياً.
ذلكُمْ هُوَ أمينُ أمَّةِ مُحَمَّد ، عامِرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الجرَّاحِ ، الفِهْرِيُّ القُرَشِيُّ .. المُكَنَّى بــِ " أبى عُبَيْدَةَ " .
* * * * كانَ مِنَ السَّابِقِينَ إلى الإسلامِ ، فقدْ أسْلَمَ فى اليومِ التَّالى لإسْلامِ " أبى بكرٍ " وكانَ إسلامُهُ على يدَيِ الصِّديقِ نفسِهِ ، فَمضى بهِ وبــ " عبدِ الرحمنِ بنِ عَوْفٍ " و بــ " عُثمانَ بنِ مظعونٍ " وبــ " الأرقمِ بنِ أبى الأرقمِ " إلى النَّبيِّ – صلواتُ اللهِ عليهِ – فأعلنُوا بينَ يدَيهِ كَلِمَةَ الحقِّ ، فكانوا القَوَاعِدَ الأولى التى أقِيمَ عَلَيْها صرحُ الإسْلامِ العَظِيمِ .
* * * * عاشَ " أبو عُبَيْدَةَ " تجرِبَةَ المُسْلِمينَ القاسِيَةَ فى مكَّةَ مُنذُ بدايَتِها إلى نِهايَتِهَا وعانَى مَعَ المُسْلِمينَ السَّابِقينَ مِنْ عُنفِها وآلامِها ما لمْ يُعَانِهِ أتْباعُ دينٍ على ظَهْرِ الأرضِ ؛ فثَبَتَ للابتلاءِ ، وصدَقَ اللهَ ورسُولَهُ فى كلِّ مَوقِفٍ .
لَكِنَّ مِحْنَةَ " أبى عُبَيْدَةَ " يومَ بدرٍ .. فاقَتْ فى عُنْفِها حِسبانَ الحاسِبينَ ، وتجاوَزَتْ خيالَ المُتَخَيِّلينَ .
* * * * انطَلَقَ " أبُو عُبَيْدَةَ " يومَ بدرٍ يَصولُ بينَ الصُّفوفِ صَوْلَةَ مَنْ لا يهابُ الرَّدَى .. فَهَابَهُ المُشْرِكونَ ، وجَعلُوا يبْتَعِدُونَ عنهُ كلَّما واجَهُوهُ ..
لكنَّ رَجُلاً واحِداً مِنْهُمْ جعلَ يَبْرُزُ لـ " أبى عُبَيْدَةَ " فى كلِّ اتِّجاهٍ ؛ فكانَ " أبُو عُبَيْدَةَ " يَتَنَحَّى عَنْ طَريقِهِ ويَتَحاشَى لِقاءهُ .
وسدَّ الرَجُلُ على " أبى عُبَيْدَةَ " المَسَالِكَ ، ووقفَ حائلاً بَيْنَهُ وبينَ قِتالِ أعْداءِ اللهِ.
فلمَّا ضاقَ بهِ ذرْعاً .. ضربَ رأسَهُ بالسَّيْفِ ضَرْبَةً فَلَقَتْ هامَتَهُ فَلْقَتَيْنِ ؛ فخرَّ الرَّجُلُ صريعاً بين يدَيْهِ .
لا تُحاوِلْ أنْ تُخَمِّن مَنْ يكونُ الرَّجُلُ الصَّريعُ .. أما قلتُ لكَ : إنَّ مِحْنَةَ " أبى عُبَيْدَةَ " يومَ بدرٍ .. فاقَتْ فى عُنْفِها حِسبانَ الحاسِبينَ ، وتجاوَزَتْ خيالَ المُتَخَيِّلينَ .
ولقَدْ يَتَصدَّعُ رَأسُكَ إذا عرفتَ أنَّ الرَّجُلَ الصَّريعَ هُوَ .. عبدُ اللهِِ بنُ الجَرَّاح .. والِدُ " أبى عُبَيْدَةَ " !!!!
لمْ يَقْتُلْ " أبُو عُبَيْدَةَ " أباهُ ، وإنَّما قَتَلَ الشِّرْكَ فى شَخْصِ أبيهِ .. فأنْزلَ اللهُ فى شَأنِ " أبى عُبَيْدَةَ " وشأنِ أبيهِ قرآناً : فقالَ – عَلَتْ كَلِمَتُهُ –
" لاَ تَجِدُ قَوْمَاً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولُهُ وَلَوْ كَانُواْ آبَاءَهُمْ أوْ أبْنَاءَهُمْ أَوْ إخْوَانَهُمْ أوْ عَشِيرَتَهُمْ أولئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمْ الإيمَانَ وَأيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أولَئِكَ حِزْبُ اللهِ ألاَ إنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفِلِحُونَ " .. المُجادلة : 22
* * * * عَهِدَ " أبو بَكْرٍ " بالخِلافَةِ مِنْ بعْدِهِ إلى الفاروقِ ، فَدَانَ لهُ " أبُو عُبَيْدَةَ " بالطَّاعَةِ ولَمْ يَعْصِهِ فى أمْرٍ إلاَّ مرَّةً واحِدَةً .. فهلْ تَدْرى ما هُوَ الأمْرُ الذِّى عَصَىَ فيهِ " أبُو عُبَيْدَةَ " أمْرَ خَلِيفَةِ المُسْلِمِينَ ؟!
وقعَ ذلكَ حينَ كانَ " أبوُ عُبَيْدَةَ " فى بِلادِ الشَّامِ يَقودُ الجُيُوشَ مِنْ نَصْرٍ إلى نَصرٍ .. حتَّى فتَحَ اللهُ على يَدَيْهِ الدِّيارَ الشامِيَّةَ كلَّها .
عِنْدَ ذلِكَ .. دَهَمَ بلادَ الشَّامِ طَاعُونٌ ، ما عَرَفَ النَّاسُ مِثْلَهُ قطٌ .. فَجَعَلَ يَحْصُدُ النَّاسَ حَصْدَاً .. فما كانَ مِن الفاروقِ إلاَّ أنْ بعثَ إلى " أبى عُبَيْدَةَ " برِسالَةٍ يقُولُ فيها :
" إنِّى بَدَتْ لِي إليْكَ حَاجَةٌ لا غِنَى لِى عَنْكَ فيها ، فإنْ أتاكَ كِتَابِى لَيْلاً فإنِّى أعْزِمُ عَلَيْكَ ألَّا تُصْبِحَ حتَّى تَرْكَبَ إلىَّ .. وإنْ أتاكَ نهِاراً ، فإنِّى أعزِمُ عليكَ ألَّا تُمسِيَ حتَّى تَركبَ إلىَّ "
فلمَّا أخَذَ " أبو عُبَيْدَةَ " كِتابَ الفاروقِ قالَ :
" قَدْ عَلِمتُ حاجَةَ أميرِ المُؤمِنينَ إلىَّ ، فَهُوَ يُريدُ أنْ يَسْتَبْقىَ مَنْ ليْسَ بِبَاقٍ "
ثُمَّ كَتَبَ إليهِ يقولُ :
" يا أميرَ المُؤمِنينَ : إنِّى قدْ عَرَفْتُ حاجَتَكَ إليَّ ، وإنِّى فى جُنْدِ مِنَ المُسْلِمينَ .. ولا أجِدُ بِنَفْسِى رَغْبَةً عَنِ الذى يُصيبُهُمْ ، ولا أريدُ فِراقَهُمْ حتَّى يَقْضىَ اللهُ فيَّ وفيهِمْ أمْرَهُ .. فإذا أتاكَ كِتابى هذا ، فَحلِّلْنى مِنْ عَزْمِكَ ، وائذَنْ لي بالبَقَاءِ . "
فلمَّا قرأ عُمَرُ الكِتابَ بكى حتَّى فاضَتْ عيْناهُ ، فقالَ مَنْ عِنْدَهُ : أَمَاتَ " أبو عُبَيْدَةَ " يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ فقالَ : لا .. ولكِنَّ المَوْتَ مِنْهُ قريبٌ .
ولَمْ يَكْذِبُ ظنُّ الفاروقِ ، إذ ما لَبِثَ " أبو عُبَيْدَةَ " أنْ أصيبَ بالطَّاعُونِ ، فلمَّا حضرَتْهُ الوَفَاةُ أوصَى جُنْدَهُ فقالَ :
" إنِّى مُوصِيكُم بوَصِيَّةٍ إنْ قَبِلتُمُوها لَنْ تَزالوا بخَيْرٍ : أقيموا الصَّلاةَ ، وصومُوا شَهْرَ رَمَضانَ ، وتصدَّقُوا ، وحُجُّوا واعْتَمِرُوا ، وتَواَصَوْا ، وانْصَحُوا لأمَرَائِكُمْ ولا تَغُشُّوهُم ، ولا تُلْهِكُمُ الدُّنْيا .. فإنَّ المَرْءَ لو عُمِّرَ ألْفَ حَوْلٍ ، ما كانَ لهُ بُدٌّ مِنْ أنْ يَصيرَ إلى مَصْرَعِي هذا الذى ترونَ .. والسلامُ علَيكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ ."
ثُمَّ الْتَفَتَ إلى " مُعاذِ بنِ جَبَلٍ " وقالَ : " يا مُعَاذُ .. صَلِّ بالنَّاسِ " .
ثُمَّ ما لَبِثَ أن فاضَتْ روحُهُ الطَّاهِرَةُ ، فقامَ مُعاذٌ وقالَ :
" أيُّها النَّاس : إنَّكُمْ قدْ فُجِعْتُمْ بِرَجُلٍ – واللهِ – ما أعْلَمُ أنِّي رأيْتُ رجُلاً أبَرَّ صَدْرَاً ، ولا أبعَدَ غائلَةً ، ولا أشدَّ حُبَّا للعَاقِبَةِ ، ولا أنْصَحَ للعامَّةِ مِنْهُ ، فَتَرحَّمُوا عَليْهِ يَرْحَمْكُمُ اللهُ "
----------------------------------- | |
|
| |
عبدالله الأشموني رجل المستحيل
عدد المساهمات : 2176 تاريخ التسجيل : 27/05/2010 العمر : 33
| موضوع: رد: رِجالٌ سارُوا علَى الدَّرْبِ الجمعة 12 أغسطس 2011, 1:44 pm | |
| تمام تسلم جزاك الله خير ونشوفك كدا في قدرهم عند ربنا :D:D بس ابق افتكرني :( | |
|
| |
| رِجالٌ سارُوا علَى الدَّرْبِ | |
|